23 نيسان 2025
على هامش الندوة الإعلامية ... الصباح البغدادية تُجري لقاءً موسعاً مع المدير التنفيذي السيد علاء محيي الدي
محيي الدين: "التحديات الاقتصادية التي تواجه العراق لا تتعلق فقط بأسعار النفط العالمية، بل تتجذر في آليات إدارة العائدات النفطية وتوجيهها نحو التنمية الحقيقية"
بغداد : شكران الفتلاوي
في إطار الجهود المستمرة لتعزيز الشفافية وتحقيق الاستفادة القصوى من الثروات الطبيعية غير المستغلة في العراق، نظّمت هيئة الشفافية في الثروات الطبيعية ندوة تخصصية حملت عنوان "اجتزنا مرحلة التحقق وبتضافر الجهود سنواجه التحديات"، بمشاركة دولية واسعة شملت البنك الدولي والسكرتارية الدولية لمبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة، وبحضور رفيع تمثل برعاية نائب رئيس الوزراء وزير النفط حيان عبد الغني، بصفته رئيس مجلس الأمناء للهيئة.
الندوة جاءت لتؤشر على مرحلة انتقالية جديدة في مسار تطبيق معايير الشفافية في العراق، إذ أعلن القائمون على هيئة الشفافية تجاوز مرحلة "التحقق"، وهي المرحلة التي يتم فيها التأكد من التزام الدولة بالمبادئ الأساسية لمبادرة الشفافية، بما يشمل الإفصاح عن الإيرادات والدفعات المالية المتعلقة بالموارد الاستخراجية كالنفظ والغاز والمعادن. إلا أن النقاش سرعان ما اتجه نحو التحديات البنيوية الأعمق، وعلى رأسها: ضعف استثمار الموارد غير النفطية، وغياب الاستراتيجيات المستدامة لتنويع مصادر الدخل.
في هذا السياق، أوضح علاء محيي الدين، المدير التنفيذي لهيئة الشفافية في الثروات الطبيعية، أن التحديات الاقتصادية التي تواجه العراق لا تتعلق فقط بأسعار النفط العالمية، بل تتجذر في آليات إدارة العائدات النفطية وتوجيهها نحو التنمية الحقيقية. وأكد في حديث لـ"الصباح" أن المشكلة الجوهرية تكمن في طريقة إعداد وإنفاق الموازنات العامة، داعياً إلى اعتماد ما سماها بـ"الموازنة الذكية"، وهي التي تستجيب للأولويات الوطنية وتحفز القطاعات الإنتاجية، لا سيما التعدين والصناعات التحويلية.
منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، يشهد العراق جموداً شبه تام في قطاع التعدين، على الرغم من الإمكانات الجيولوجية الهائلة التي يمتلكها، وهو ما عبّر عنه محي الدين بالقول: "لدينا موارد مهملة منذ عقود، في وقت تعتمد فيه أكثر من 60 دولة ضمن مبادرة الشفافية على التعدين كرافد أساسي من روافد الاقتصاد" .
وأشار إلى أن العراق يقع ضمن ما يُعرف بـ"الحزام الفوسفاتي"، وهو نطاق جيولوجي يمتد من شمال أفريقيا حتى إيران، ويمر عبر الأراضي العراقية التي تضم مناجم كبيرة من الفوسفات غير المستغلة حتى الآن، خصوصاً في مناطق الصحراء الغربية ومحافظة الأنبار. كما لفت إلى احتياطات ضخمة من الكبريت الموجود ضمن مكونات النفط العراقي، والذي يمكن استخلاصه واستخدامه في الصناعات الكيمياوية والأسمدة، إذا توفرت البنية التحتية المناسبة للاستثمار.
ويضاف إلى هذه الثروات المخزونة، كميات الغاز الكبيرة المصاحبة لعمليات استخراج النفط، والتي تهدر بشكل يومي عبر عمليات الحرق، رغم ما تحمله من إمكانات اقتصادية هائلة، سواء في مجال توليد الكهرباء أو الصناعات البتروكيمياوية.
وزارة النفط بدورها، أكدت في وقت سابق التزامها بخطة طموحة لإيقاف حرق الغاز المصاحب نهائياً بحلول عام 2028، وهي خطوة يرى خبراء أنها ستحدث تحولاً حيوياً في الاقتصاد العراقي، ليس فقط على صعيد الطاقة، بل أيضاً على مستوى الصناعات المتقدمة، إذ يتميز الغاز العراقي بمواصفات فريدة، أهمها احتواؤه على نسب مرتفعة من مركب الإيثان، والذي يُعدُّ مادة أولية رئيسة في الصناعات البتروكيمياوية، مثل إنتاج اللدائن والمطاط الصناعي والوقود الكيمياوي.
ويشير الاقتصاديون إلى أن توظيف هذا المركب في مصانع متخصصة يمكن أن يدرَّ عائدات تفوق ما تحققه صادرات النفط الخام، بشرط تهيئة البيئة الاستثمارية المناسبة، وتوفير البنية التحتية الصناعية والخدمات اللوجستية.
من جهة أخرى، أكد محيي الدين أن تنشيط قطاع التعدين ليس وحده كفيلاً بتحقيق التوازن المالي المطلوب، بل ينبغي إدماجه ضمن سياسة شاملة لتعدد الإيرادات، تشمل أيضاً عائدات المنافذ الحدودية، وتوسيع القاعدة الضريبية، وتطوير قطاع الخدمات العامة. واعتبر أن هذه العائدات، في حال إدارتها بكفاءة وشفافية، يمكن أن ترفد الموازنة بأموال طائلة، تقلل من هشاشة الاعتماد على النفط الخام كمصدر رئيس للدخل. وتابع: "التحدي الحقيقي ليس في ما نملكه من موارد، بل في كيفية تحويل هذه الموارد إلى فرص إنتاج حقيقية، تُشغل الأيدي العاملة، وتدعم الاقتصاد الوطني، وتحسن مستويات المعيشة".
وبحسب مختصين، فإن صناعة التعدين تُعدُّ من الصناعات القادرة على استقطاب الاستثمارات الكبيرة، فضلاً عن دورها المحوري في نقل التكنولوجيا وتوليد فرص العمل. وتشمل هذه الصناعة مجموعة واسعة من الأنشطة، تبدأ من الاستكشاف والتنقيب، مروراً بالاستخراج والمعالجة، وانتهاءً بالتسويق والتصدير. وتزداد أهميتها في ظل الارتفاع المستمر في الطلب العالمي على المعادن، لا سيما في ظل الثورة الصناعية الرابعة والتحول نحو الطاقة النظيفة.
ومع أن العراق لم يدخل بعد في نادي الدول التعدينية، إلا أن الكثير من الدراسات تشير إلى توفر بيئة جيولوجية واعدة، في حال تم تحديث التشريعات، وتوفير الحوافز الاستثمارية، وتبني شراكات حقيقية مع القطاع الخاص.
الصباح، الثلاثاء ٢٢ نيسان ٢٠٢٥